الأبحاث و المقالات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة ، بل تعبر عن رأي أصحابها
دعوة أصدقاء للبحث
كان التحول بداية السعادة الروحية إذ أحسست براحة الضمير و انشرح صدري للمذهب الحق الذي اكتشفته أو قل للإسلام الحقيقي الذي لا شك فيه ، و غمرتني فرحة كبيرة و اعتزاز بما أنعم الله عليّ من هداية و رشاد .
و لم يسعني السكوت و التكتم على ما يختلج في صدري و قلت في نفسي : لا بد لي من إفشاء هذه الحقيقة على الناس ﴿ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ 1 و هي من أكبر النعم أو هي النعمة الكبرى في الدنيا و في الآخرة ، و " الساكت عن الحق شيطان أخرس " " و ليس بعد الحق " إلا " الضلال " .
و الذي زاد شعوري يقينا بوجوب نشر هذه الحقيقة هو براءة أهل السنة و الجماعة الذين يحبون رسول الله و أهل بيته و يكفي أن يزول الغشاء الذي نسجه التاريخ حتى يتبعوا الحق و هذا ما وقع لي شخصيا .
قال تعالى :﴿ ... كَذَٰلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ... ﴾ 2.
و دعوت أربعة أصدقاء من الأساتذة العاملين معي في المعهد كان إثنان منهم يدرسان التربية الدينية و الثالث يدرس مادة العربية و الرابع كان أستاذ الفلسفة الإسلامية . لم يكن أربعتهم من قفصة بل كانوا من تونس و من جمال و سوسة ، دعوتهم إلى البحث معي في هذا الموضوع الخطير و أشعرتهم بأني قاصر عن إدراك بعض المعاني و قد اضطربت و تشككت في بعض الأمور ، و قبلوا المجيء إلى بيتي بعد إنهاء العمل ، و تركتهم يقرأون كتاب المراجعات على أن مؤلفه يدعي أشياء عجيبة و غريبة في الدين ، و قد استهوى الكتاب ثلاثة منهم أما الرابع الذي يدرس اللغة العربية فقد قاطعنا بعد أربع جلسات أو خمس قائلا : " إن الغرب الآن يغزو القمر و أنتم ما زلتم تبحثون عن الخلافة الإسلامية " .
و ما أن أتممنا الكتاب خلال شهر واحد حتى استبصر ثلاثتهم و قد أعنتهم كثيرا للوصول إلى الحقيقة من أقرب الطرق بما تكون عندي من سعة الإطلاع خلال سنوات البحث و ذقت حلاوة الهداية و استبشرت بالمستقبل و أخذت أدعو في كل مرة بعض الأصدقاء من قفصة و الذين كانت تربطني بهم حلقات الدرس في المسجد أو العلاقات المنجرة من الطرق الصوفية و بعض تلاميذي الذين كانوا يلازمونني و ما مرت سنة واحدة حتى أصبحنا بحمد الله عددا كبيرا نوالي أهل البيت ، نوالي من والاهم و نعادي من عاداهم ، نفرح في أعيادهم و نحزن في عاشورا و نعقد مجالس تعزية .
و كانت أولى رسائلي التي تحمل خبر إستبصاري إلى السيد الخوئي و السيد محمد باقر الصدر بمناسبة عيد الغدير إذ احتفلنا به أول مرة في قفصة ، و قد اشتهر أمري لدى الخاص و العام بأني تشيعت و أني أدعو إلى التشيع لآل بيت الرسول ( صلى الله عليه و آله ) و بدأت الاتهامات و الإشاعات تروج في البلاد ، على أنني جاسوس لإسرائيل أعمل على تشكيك الناس في دينهم و بأنني أسب الصحابة و بأنني صاحب فتنة إلى غير ذلك .
و في تونس العاصمة اتصلت بالصديقين راشد الغنوشي و عبد الفتاح مورو و كانت معارضتهما لي عنيفة جدا و في حديث دار بيننا في بيت عبد الفتاح ، قلت يجب علينا كمسلمين مراجعة كتبنا و مراجعة تاريخنا و ضربت لذلك مثلا صحيح البخاري الذي فيه أشياء لا يقبلها عقل و لا دين .
و ثارت ثائرتهما قائلين لي : من أنت حتى تنتقد البخاري ؟ و بذلت كل جهدي من أجل إقناعهما بالدخول في البحث العلمي الموضوعي فرفضا ذلك .
ازدادت على أثره حملة الإشاعات ضدنا من قبل البعض و بثوا في أوساطهم إشاعات غريبة بغية إبعاد الناس عني و إحاطتي بطوق من العزلة - سامحهم الله تعالى ـ .
و بدأت العزلة من بعض الشبان و من الشيوخ الذين يتبعون الطرق الصوفية و عشنا فترات قاسية غرباء في ديارنا و بين إخواننا و عشيرتنا و لكن الله سبحانه أبدلنا خيرا منهم فكان بعض الشبان يأتون من مدن أخرى يسألون عن الحقيقة فكنت أبذل قصارى ما في وسعي لإقناعهم بحقيقة منهج أهل البيت ( عليهم السلام ) و بالواقع التاريخي فاستبصر عدد من الشبان في العاصمة و في القيروان و في سوسة و سيدي بوزيد و كنت خلال رحلتي الصيفية إلى العراق مررت بأوروبا حيث التقيت بعض الأصدقاء في فرنسا و في هولندا و تحدثت معهم في الموضوع فاستبصروا و الحمد لله .
و كم كانت فرحتي عظيمة عندما قابلت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف و كان في بيته نخبة من العلماء و أخذ السيد يقدمني إليهم بأني بذرة التشيع لآل بيت النبي ( صلى الله عليه و آله ) في تونس كما أعلمهم بأنه بكى تأثرا عندما وصلته رسالتي مهنئة تحمل إليه بشرى احتفالنا أول مرة بعيد الغدير السعيد و شكوت إليه ما نلاقيه من مقاومة و من بث الإشاعات ضدنا و العزلة التي نواجهها .
و قال السيد في معرض كلامه : " لابد " من تحمل المشاق لان طريق أهل البيت صعب و وعر ، و قد جاء رجل إلى النبي ( صلى الله عليه و آله ) فقال له : إني أحبك يا رسول الله ! فقال له : أبشر بكثرة الابتلاء ، فقال : و أحب ابن عمك عليا ! فقال : أبشر بكثرة الأعداء . فقال : و أحب الحسن و الحسين ! فقال له : فاستعد للفقر و كثرة البلاء . و ماذا قدمنا نحن في سبيل دعوة الحق التي دفع ثمنها أبو عبد الله الحسين ( عليه السلام ) بنفسه و أهله و ذريته و أصحابه ، كما دفع ثمنها الشيعة على مر التاريخ و ما زالوا حتى اليوم يدفعون ثمن ولائهم لأهل البيت ، فلابد يا أخي من تحمل بعض الأتعاب و التضحية في سبيل الحق فلئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا و ما فيها .
كما نصحني السيد الصدر بعدم الانزواء و أمرني بأن أتقرب أكثر من إخواني أهل السنة كلما حاولوا الابتعاد عني ، و أمرني أن أصلي خلفهم حتى لا تكون القطيعة ، و أن أعتبرهم أبرياء فهم ضحايا الإعلام و التاريخ المزيف ، و الناس أعداء ما جهلوا .
و قد نصحني السيد الخوئي بالشيء نفسه تقريبا ، كما كان السيد محمد علي الطباطبائي الحكيم يبعث لنا دائما بنصائحه في رسائل متعددة كان لها أثر كبير في سيرة الإخوة المستبصرين على الهدى .
هذا و قد تعددت زياراتي للنجف الأشرف و لعلماء النجف في مناسبات كثيرة ، ثم آليت على نفسي أن أقضى العطلة الصيفية من كل عام في رحاب الإمام علي أحضر دروس السيد محمد باقر الصدر التي استفدت منها كثيرا و نفعتني أيما نفع كما آليت على نفسي أن أزور مقامات الأئمة الإثني عشر و قد حقق الله أمنيتي بأن وفقني حتى لزيارة الإمام الرضا الذي يوجد مرقده في مشهد و هي مدينة قرب الحدود الروسية في إيران و هناك تعرفت على أبرز العلماء و استفدت منهم كثيرا .
كما أعطاني السيد الخوئي الذي كنا نقلده وكالة للتصرف في الخمس و الزكاة و إفادة المجموعة المستبصرة عندنا بما تحتاجه من كتب و إعانات و غير ذلك ، و قد كونت مكتبة مفيدة بها أهم المصادر التي تخص البحث و تجمع كتب الفريقين و تحمل إسم مكتبة أهل البيت ( عليهم السلام ) و قد أفادت الكثيرين و الحمد لله .
و زاد الله فرحتنا فرحتين و سعادتنا سعادتين فقبل حوالي خمسة عشر عاما سخر لنا الله الكاتب العام لبلدية قفصة فوافق على تسمية الشارع الذي أسكن فيه باسم شارع الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فلا يفوتني هنا أن أشكر له هذه اللفتة المشرفة ، فهو من المسلمين العاملين و له ميل كبير و محبة فائقة لشخص الإمام علي ( عليه السلام ) و قد أهديته كتاب المراجعات ، و هو يبادل مجموعتنا حبا و تقديرا و احتراما فجزاه الله خيرا و أعطاه ما يتمنى .
و قد عمل بعض الحاقدين على إزالة اللوحة و أعيتهم الحيل و شاء الله تثبيتها
، و أصبحت الرسائل ترد علينا من كل أنحاء العالم و عليها اسم شارع الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، الذي بارك اسمه الشريف مدينتنا الطيبة العريقة .
و عملا بنصائح الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) و كذلك بنصائح علماء النجف الأشرف عمدنا إلى التقرب من إخوتنا من المذاهب الأخرى و لازمنا الجماعة فكنا نصلي معا ، و خفَّت بذلك حدة التوتر و تمكنا من إقناع بعض الشبان من خلال تساؤلاتهم عن كيفية صلاتنا و وضوئنا و عقائدنا 3.
المقطع السابق: مصيبتنا في الاجتهاد مقابل النصوص